الاعلامي و الكاتب بن حديد نصر الدين

هل أنتج الحراك جناحًا ثقافيّا؟؟؟

هل أنتج الحراك جناحًا ثقافيّا؟؟؟

مهما يكن الموقف ممّا صار يُعرف في الجزائر تحت تسمية «الحراك»، ومهما يكن الموقع داخله، يمكن الجزم أنّ هذا «الكائن» شكّل سبقا في التاريخ المعاصر للبلاد، ومن ثمّة كانت صعوبة أو هي استحالة (معرفيّا) مقارنته بأشكال تعبيريّة سابقة سواء داخل الجزائر أو خارجها، خاصّة تجارب (ما يسمّى) «الربيع العربي» التي وإن شكّلت هي الأخرى «حركات مطلبيّة»، إلاّ أنّ المطالب ليست ذاتها (مقارنة بمطالب الحراك)، وكذلك وسائل التدخّل، وأيضًا المرامي حين لم يطعن أحد عند البدء (في الجزائر)، لا في شرعيّة الدولة ذاتها ولا في أسباب قيامها. رغم ذلك دخلت الجزائر أو بالأحرى أدخلها الحراك في نقاشات جديدة، تخصّ أسلوب إدارة الدولة، أيّ «الفكر السياسي الحاكم»، ومن ثمّة انحصرت الأسئلة في ماهيّة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، في قطيعة (وجب التأكيد عليها) مع أسلوب الحكم السائد (حينها). نجاح مشروع الحراك أو تحقيق المطالب المعلنة، يتطلّب أدوات «جديدة» أو هي مبتكرة، سواء على مستوى تطبيق الفكر السياسي، أو وجود نخب جديدة تلعب دولا «المعول» الذي سيخدم هذا «الفكر»، ومن ثمّة إعداد «العمق الشعبي» ليكون «التربة» التي سينبت من رحمها هذا «المولود»… من الأكيد وما لا يقبل الجدل أنّ «النخب» سواء التي تجلّت من خلال الحراك أو شاركت في المسيرات الأسبوعيّة، أو التي ظهرت على وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي، عجزت مجتمعة عن الاشتغال ضمن ورشة جديدة أو هي مبتكرة، تطرح شكل «الواصل» القادم (المفترض) بين أطراف المجتمع الجزائري (الموعود)… لم تتأسّس هذه الورشات ولم تتأصّل النقاشات ضمن مسعى البحث عن اطار فكري/ثقافي جديد يلعب دور الوعاء الذي تتفاعل ضمنه العناصر التي سيتشكّل منها «الكائن السياسي الجديد»، الذي لا يمكن أو يستحيل أن ينشأ في شكل «طفرة» خارج النسق الثقافي القائم والسياسي القادم. بعيدًا عن الشعارات المعلنة، سقطت التحرّكات البشريّة الأسبوعيّة في «منطق السياسة» القائمة، التي من المفترض أن الحراك جاء رفضًا لها، بسبب غياب «الوازع الثقافي» القادر على تفعيل مطالب الحراك مع كلّ من واقع البلاد عامّة وأيضًا الفاعلين السياسيين القائمة ضمن المشهد بمختلف أشكاله… غياب الرافد الثقافي أو عدم قدرته على المزج بعض المحاولات الفرديّة المعزولة عن بعضها، ذهب بالحراك من أن يكون «مشروعًا» إلى أن أصبح فعلا ماديّا على الأرض، وكذلك جعل الشعارات تتناقض بل تضرب بعضها حدّ النفي القاطع أحيانًا. بقدر ما الحراك في بعده «الروحي» يشكّل ارتباطا وتواصلا مع ثورة نوفمبر، على مستوى الوعد بمولد «جزائر جديدة» بقدر ما غاب أو لم يتأسّس في الآن ذاته، ذلك الخطاب الناقل للشعارات التي وجب الانتقال بها لتكون وتكوّن فكرًا سياسيّا جديدًا، يربط ويستعيد فكر «ثورة نوفمبر» التي (لظروف تاريخيّة) أخذت المعادلة على عكس ما كان الحراك، بمعنى وجود قيادة صاغت عقيدة (بيان فاتح نوفمبر)، وصنعت برنامجا (سياسيّا) وأمّنت أدوات تدخّل (العسكري). كان على الحراك أن يتخّذ من الثورة مثالا ومرجعًا وأنّ يوجه معادلة «الثورة» وفق الواقع القائم، بالتأسيس لفكر يطرح ثقافة جديدة، تأخذ مكان الثقافة القائمة، لتكون نخب جديدة تحمل عبء التأسيس للمشروع الجديد. من علامات «التصحّر» الذي عان منه الفكر الذي صاحب الحراك أنّ مهمّة «الإنقاذ» التي قام من أجلها الحراك، غابت هذه «الغريزة» أمام فيروس كورونا، الذي لا يقلّ خطورة عن الأخطار الذي جاء من أجلها الحراك.

نصر الدين بن حديد

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى